( صرخة عالية شقت سكون القرية ،
تعلقت العيون و الآذان باتجاه الصرخات ،
فجأة انطلق أحد الغلمان فارا من بين أعواد الذرة ،
يمسك جلبابه بفمه و يهرول في اتجاه القرية يصرخ )
ـ روحوا يا هــــــــــوه ، ( السلعوة ) ظهرت يا جدعان .....
( تخونه قدماه الدقيقتان فيتعثر منزلقا إلى الترعة ،
يخرج منها زاحفا ، ما يلبث أن يعاود الفرار ،
اختلط الحابل بالنابل ،
النساء و الأطفال و الرجال يفرون في كل اتجاه )
ـ اهرب بسرعة ياد يا محمود .
ـ ما جايز كلب مسعور ياد يا حمودة .
ـ هو أنا عبيط و الا مختوم على قفايا ؟
بقولك أنا لسه شايفها في أرض أبوك محمد أبو اسماعيل ....
ـ يا داهية دقي .....
( محمود يفك الحبال التي ربط بها بهائمه ،
ينهال عليها ضربا بعصاه فتفر البهائم باتجاه القرية ،
يقفز محمود فوق حماره يهز قدماه بشدة ، يلوح بعصاه عاليا ،
صرخات الاستنفار تتصاعد هنا و هناك )
ـ استر يا رب ، انته لسه ما قفلتش يا عم حسنين ؟
ـ ما أنا بأقفل أهو ، ليكون ديب ياله يا حمودة ؟
ـ برضك ها يقولي ديب ، بقولك ( السلعوة ) أنا شايف عينيها بتطق شرار .
ـ طب اجري بسرعة و بلغ أبوك العمدة ...
ـ عمدة مين الساعة دي ؟ يا روح ما بعدك روح ....
( يغلق عم حسنين باب دكانه الخشبي سريعا ،
يعلق قضيبا طويلا من الحديد عليه ،
يضع قفلا كبيرا و يفر هاربا )
ـ اجري استخبى يا وله انته و هوه بسرعة ، يا لطيف ، يا لطيف .
( تجري إحدى النساء تنتشل طفلها من فوق الأرض و تفر به ، تصرخ )
ـ يا بت يا سعاد ، ادخلي بسرعة يا بنت ال ........
( تدخل إلى منزلها ، تغلق الباب خلفها سريعا ،
طفل صغير يحاول الفرار ، فيسقط تدوسه الأقدام ،
يوقفه أحد الرجال ، يصرخ في الناس )
ـ الرحمة يا جدعان حرام عليكم .
( يجري الطفل إلى حارة ضيقة ، يختفي عن الأنظار ،
امراة تصرخ في ولدها )
ـ شفت أختك فين ياد يا عبوده ؟
ـ دخلت بيت عم أبو سليمان .
( الجميع يحاول الفرار )
ـ يا ساتر استر يا رب .
( ما هي إلا لحظات حتى ساد صمت مميت ،
جميع الأهالي يهرعون إلى ديارهم ،
جميع الأبواب تغلق بإحكام ،
العيون جاحظة تترقب خلف الأبواب و النوافذ ،
الآذان صاغية تتنصت ،
البعض صعد فوق السطوح يتابع المشهد من أعلى ،
يتساءل أحد الرجال)
ـ مش جايز تعلب و الا ديب و الا كلب مسعور يا جدعان .
ـ الواد حمودة بيقولك شايف الشرار طالع من عينيها .
ـ شيخ الغفر بيحلف على المصحف إن هي اللي أكلت كلاب العمدة أول امبارح .
ـ دي راجعة عشان تنتقم من الأغنيا اللي بياكلوا عرق الغلابة .
ـ ( أبو شلبي ) لسه شايفها امبارح بالليل على جسر الترعة و هي بتسن سنانها .
( صرخة عالية تشق الفضاء )
ـ استر يا رب ، الصرخة دي جاية منين ؟
ـ دي جاية من ناحية دار أبو خميس .
( صوت الصرخات يقترب و يقترب )
ـ ده صوت عيل صغير ، يالطيف ، يالطيف .....
( تظهر من خلف البيوت طفلة صغيرة تصرخ و تجري إلى أحد الأبواب )
ـ الحقيني يا أمه ، الحقني يا أبه .....
( تدق الباب و تدق و لا مجيب ،
الجميع يتابع ما يحدث من خلف الأبواب و النوافذ و من فوق السطوح ،
تتعالى صرخات الأهالي ، تتزايد أصواتهم )
ـ يا ضنايا يا بنتي ، ربنا يكون في عونك .
( ينادي أحدهم من خلف الأبواب )
ـ بنت مين دي يا عالم ؟
( يرد عليه آخر )
ـ دي بنت حسين أبو حبيبة .
( البنت تبكي و تصرخ و لا مجيب ،
فجأة ،
تخرج ( السلعوة ) من بين أعواد الذرة ،
يتطاير الشرر من عينيها ،
سوداء حالكة اللون ،
يسيل من بين أنيابها لعاب السعار ،
تقف متحفزة
تتعالى صرخات الأهالي )
ـ حد يغيتها يا ولاد ، ما تفتح لها ياد يا مسعود .
ـ ما انته حلو اهوه يا له ، ما تطلع تاخدها انته يا ناصح ،
و الا بس بق على الفاضي ؟
ـ و هو انا مستغني عن نفسي و عن عيالي ، دي ( سلعوة ) يا با ،
عارف يعني إيه ( سلعوة ) ؟
( تتراجع البنت ملتصقة بالأبواب ،
نحيبها يمزق القلوب ،
دقات قلبها الصغير تتردد بين جدران البيوت ،
لحظات من الترقب )
ـ يا بلد ما فيهاش راجل ، مفيش حد يغيت البت المسكينة دي ؟
ـ و هي أهلها سايبنها ليه الساعة دي ؟
ـ فيه حد يسيب ضناه كده بالذمة ؟
( تقترب منها ( السلعوة ) شيئا فشيئا ،
تصرخ الطفلة و تصرخ حتى يبح صوتها ،
فجأة ينفتح أحد الأبواب ،
تخرج منه امرأة شابة ،
ترفع في يديها عصا غليظة )
ـ ما تخافيش يا أمه ، ما تخافيش .
( تقف بين ( السلعوة ) و البنت الصغيرة ، تتعلق عينها ب ( السلعوة ) ،
تجري البنت لتتشبث بجلبابها )
ـ دي مين بنت المجنونة دي ؟
ـ دي البت (منى) أم لسانين .
ـ و الله بت بميت راجل .
( تتحرك (منى) بجنبها خطوة خطوة باتجاه بابها ،
تقترب منها ( السلعوة ) شيئا فشيئا ،
تفتح (منى) باب دارها بينما عينيها مازالت معلقة على ( السلعوة ) ، تدخل البنت من الباب مسرعة ،
عندها تقفز ( السلعوة ) على (منى) تحاول افتراسها إلا أن (منى) باغتتها بضربة قوية بعصاها الغليظة على رأسها و صرخت )
ـ موتي بقى الله يلعنك .....
( تسقط ( السلعوة ) على إثر الضربة ، إلا إنها تهب ثانية لتهجم على (منى) فتباغتها (منى) بضربة ثانية و ثالثة ، و تصرخ )
ـ الله يلعنك ، الله يلعنك ....
( عندها تسقط ( السلعوة ) على الأرض لا تستطيع الحراك ،
عندها نجد (شيخ الخفر) يخرج من أحد الأبواب ،
يصرخ )
ـ إلحقنا يا حضرة العمدة ، إلحقنا يا كبير البلد .
( عندها يخرج (العمدة) مسرعا من خلف إحدى الأبواب يحمل بندقيته ، بينما يفتعل (شيخ الخفر) البكاء و يصيح )
ـ الحقنا يا كبيرنا أنا في عرضك ، ( السلعوة ) ها تاكل عيالنا ، أبوس إيدك .
( يصرخ العمدة )
ـ طب ابعدوا بعيد انتم عشان الرصاص ما يعورش حد فيكم ....
( يشير ل(منى) ينهرها )
ـ ابعدي يا بت انتي كمان بعيد ، يلا ادخلي بيتك و اقفلي الباب .
( يغمض عينيه بينما يدوس على الزناد ، عندها تخرج الطلقات في اتجاه (السلعوة ) ،
عندها يصرخ ( شيخ الخفر ) عاليا )
ـ الله أكبر ، الله أكبر ،
العمدة قتل ( السلعوة ) يا بلد ، العمدة قتل ( السلعوة ) يا بلد .
( عندها يتردد صوته في الفضاء )
ـ العمدة قتل ( السلعوة ) يا بلد ، العمدة قتل ( السلعوة ) يا بلد .